JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

هل الأخلاق واحدة مطلقة أم نسبية متغيرة ؟؟ - مقالة جدلية


هل الأخلاق واحدة مطلقة أم نسبية متغيرة ؟؟
طرح المشكلة:
 إذا كانت فلسفة الأخلاق تعمل على وضع مجموع المبادئ والقواعد الأخلاقية التي تحدد ما يجب أن يكون عليه السلوك الإنساني، وهي تهدف إلى تفسير معنى الخير والشر، وضبط المعايير التي تحكم بما على السلوك من جهة القبول أو الرفض، لكن الإشكال المعقد الذي أدى إلى اختلاف الفلاسفة ورجال الأخلاق هو مسألة القيمة الأخلاقية وطبيعتها، والأساس الذي تقوم عليه. فمنهم من اعتبرها مطلقة كلية وبالتالي فهي واحدة لجميع البشر ، ومنهم من اعتبرها نسبية متغيرة وبالتالي تتنوع وتتعدد معاييرها، وهذه المواقف المتناقضة والمتضاربة حول المسألة الأخلاقية تدفعنا إلى التساؤل: هل القيم الأخلاقية مطلقة واحدة أم نسبية متعددة؟ وكيف يمكن مذيب هذا التناقض في فهم القيم الأخلاقية؟

في محاولة حل المشكلة :
يرى الكثير من الفلاسفة ورجال الأخلاق أن القيم الأخلاقية واحدة مطلقة في نطاق الزمان والمكان، ولا يحددها قيد ولا شرط، فهي قيم كلية ثابتة لا تتبدل ولا تتغير مع الظروف في صفاتها وفي ماهيتها، ويستمد هذا الموقف تبريره م ن قيام الأخلاق على جملة من المبادئ والثوابت العامة. التي تحدد معايير السلوك الكلية ، وتطبيقاتها على مختلف نواحي الحياة الإنسانية. من هنا كانت الأخلاق قیم موضوعية واحدة لجميع البشر . و يدافع عن هذا الاتجاه أصحاب النظرة العقلية المثالية و بالخصوص "أفلاطون"، "كانط"، وكذلك أصحاب النظرة الدينية و بالخصوص مع "المعتزلة" و"الأشاعرة" وغيرهم....

حيث يؤكد أصحاب النظرة العقلية أن وحدة الأخلاق و مطلقيتها تؤسسها مرجعية العقل كملكة للحكم والتمييز بين الأشياء، فقيمة الإنسان في عقله كماهية ثابتة لا تتأثر بظروف الزمان. فالعقل هو الذي يدرك الخير الأسمى، ومعن الفضيلة في ذاتها بعيدا عن كل شرط، لهذا كان هو مصدر القيم الأخلاقية، وواضع مختلف القوانين والقواعد الأخلاقية، التي تتصف بالكلية والشمول. من هنا اعتبر "أفلاطون" العدل المطلق والجمال المطلق والخير الأسمى... معايير ثابتة توجد في عالم المثل، ولا يصل إليها الإنسان إلا من خلال العقل وتأملاته لهذا قال : "إن الخير فوق الوجود شرفا وقوة". و يرى "كانط" أن القوانين الأخلاقية إلزامات كلية نابعة من الواجب الأخلاقي الصادر عن العقل، المعبر عن صمیم نیتنا وإرادتنا الخالصة دون قيد أو شرط، يقول "كانط": "الضمير الخلقي ملكة عقلية خالصة وأحكامها مطلقة". و يذهب أصحاب النظرة الدينية أن الدين وقدسيته المستمدة من الله كمصدر لكل کمال. هو الذي يؤسس لقيم مطلقة، وأخلاق واحدة و كلية للإنسانية من خلال الأمر بالخير والفضيلة والنهي عن الشر والرذيلة. فكل ما أمر الله به في الشرع فهو خير وكل ما في عنه فهو شر. من هنا أكدت فرقة الأشاعرة أن الشرع هو المصدر الوحيد للقيم الأخلاقية فالحسن ما حسنه الشرع وأمر به، والقبيح ما قبحه وهی عنه، وقد ذهب الإمام ابن حزم" إلى القول أن الحسن والقبيح والخير والشر بحسب إرادة الله. وما جاء به الشرع أمرا أو كيا لأن الله لا يأمر إلا بخير ولا ينهي لالا عن شر. فهو الكامل علما وحكمة والمنزه عن صفات النقصان.
النقد :
- لكن لو كانت الأخلاق واحدة ومطلقة لماذا نجد في الواقع الإنساني تعدد القیم الأخلاقية و تنوع معاييرها من ثقافة إلى أخرى؟ كما نجد أن هناك سلوكات مقبولة أخلاقيا في مجتمع ولكنها مرفوضة في مجتمع آخر. من جهة أخرى نجد أن العقل الإنسان ناقص وقاصر ونسبي وهو يتطور تبعا لتطور الشعوب و حضار قم. لذلك كان ما يعبر عنها من قواعد خلقية في عصر ومجتمع، قد يكون مختلف تماما عما يقترحه من قواعد خلقية في عصر و مجتمع آخر. أما من جهة أحكام الشرع فبرغم أطرها الكلية، إلا أنها تتميز بالمرونة لتساير حياة الشعوب عبر الأزمان، فكثير من الأحكام الفقهية تتغير ويلحقها التعديل حسب ظروف الزمان والمكان .
نقيض الأطروحة (الموقف الثاني):
 يرى أنصار هذا الاتجاه أن الأخلاق نسبية متعددة بحسب بيئتها وعصرها، والثقافة التي تعبر عنها، فالقيم الأخلاقية تتغير وتتبدل تبعا لتغير الظروف عبر الزمان والمكان. ويؤكد هذا الموقف أصحاب الترعة الاجتماعية وبالخصوص "دوركايم" و"ليفي بریل" حيث يرون أن التعايش الاجتماعي أكبر تعبير عن ماهية الإنسان، وإظهار خصائصه الإنسانية، من هنا كانت القيم الأخلاقية مصدرها المجتمع، الذي يمنح الأفراد المبادئ والمشاعر الأخلاقية التي يعتمدون عليها في سلوكهم، فالضمير الأخلاقي عند الأفراد هو صدى لأحكام الوعي الجماعي وإرادته، وعليه كانت قيم الإنسان هي قيم مجتمعه، وما يغرسه فيه من مبادئ، لذلك تختلف الأخلاق وتتعدد من مجتمع إلى آخر. وقد برهن "السفسطائيون" أن الإنسان مقياس كل شيء، والقيم الأخلاقية تتحدد به وجودا وعدما بحسب أحواله. أما أنصار أخلاق اللذة فيرون أن اللذة هي الخير والفضيلة، والألم هو الشر والرذيلة، يقول "أبيقور": "... اللذة هي غاية الإنسان، ولا خير في الحياة إلا اللذة ولا شر إلا الألم، وليست الأخلاقية إلا العمل لتحصيل السعادة، وليس للفضيلة قيمة ذاتية، إنما قيمتها في اللذة التي تصحبها". كما يؤكد "الوجوديون" وعلى رأسهم "سارتر" نسبية القيم الأخلاقية لأن الحرية هي الأساس الوحيد للقيم، ولا يوجد شيء مطلق يبرر هذه القيم أو تلك. من هنا كان كل إنسان يختار لنفسه بنفسه ما يشاء من القيم الأخلاقية.
النقد :
- لكن لو نجعل من الأخلاق نسبية متغيرة، فإن هذه الأخلاق تصبح لا قيمة ولا احترام لها عند الأفراد، لأن كل واحد يصير مقیاس نفسه، وهذا ما يؤدي إلى ضياع الأخلاق وفقدان سموها. كما أن جعل الأخلاق ذاتية متغيرة، فإنها تصير خاضعة للميول والرغبات والأهواء و بالتالي تتحول إلى أخلاق أنانية مؤقتة وتضيع معايير الأخلاق الحقيقة، ثم هل يمكن تصور أخلاق مقبولة اليوم كالصدق والأمانة والإخسان... ثم هي مرفوضة غدا، وتنقلب إلى نقيضها؟ فهذه ليست أخلاق بل مجرد لهو
التركيب :
إن مسألة الأخلاق بين النسبي و المطلق قضية شائكة لأنها تتجاذبها الثوابت من جهة والمتغيرات من جهة أخرى: فالأخلاق مطلقة وكلية في مبادئها وأهدافها، ولكنها نسبية ومتغيرة في تطبيقاتها ، فالصدق مثلا: قيمة أخلاقية مطلقة لا يزعم أحد أنه يتغير وكذلك السرقة والكذب والخيانة والأمانة والإحسان والصبر ... فهذه قيم تعطي صورة موحدة وكلية لبناء أخلاقي عالمي، لكن السلوكات والوسائل التي تعبر بها عن هذه القيم وتطبيقاتها قد تتغير بتغير الظروف.
حل المشكلة نستنتج أن المبادئ والمعايير الأخلاقية كقيم فاضلة وسامية وجب أن تكون مطلقة وثابتة وكلية لأن الأخلاق واحدة في أهدافها وغاياتها، لكن من حيث تطبيقاتها السلوكية قد تكون نسبية متغيرة لأن كل إنسان مغروس في بيئة ثقافية مختلفة.
 تحميل المقالة على شكل PDF هنــــــا



الاسمبريد إلكترونيرسالة