JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

هل المقياس التجريبي معيار لازم لتحديد علمية العلم ؟ مقالة جدلية


هل المقياس التجريبي معيار لازم لتحديد علمية العلم ؟
طرح المشكلة:
إن العلوم الطبيعية بصفة عامة، سواء كانت علوم المادة الجامدة أو علوم المادة الحية .. فإنها لا تخرج عن نطاق الأشياء الحسية الواقعية، فهي تبتدئ منها وتنتهي إليها، لأنها تهدف إلى معرفة الظواهر الطبيعية واكتشاف عللها التي تحكمها، لذلك فهي علوم قائمة كلها على ملاحظة الحوادث الطبيعية، واستقراء الواقع، والإصغاء إليه. من هنا ظهر المنهج التجريبي الذي يعتمد على التجربة كمبدأ للدراسة واعتبارها المقياس الأساسي للعلمية والحكم على قيمة العلوم، ولهذا نتساءل: هل الدراسة التجريبية مقياس ضروري لتحديد علمية العلم، والحكم على قيمته العلمية ؟

في محاولة حل المشكلة:
 عرض الأطروحة:
في الواقع إن الطريقة التجريبية كمبدأ للمعرفة و كمقياس أساسي لها لم تتضح إلا بعد حدوث الانفصال بين العلم والفلسفة، و استقلال البحوث العلمية عن الدراسات الفلسفية من حيث الموضوع والمناهج، على يد رواد المنهج التجريي الحديث، فرنسيس بيكون، ج.س.مل، نیوتن وغيرهم. وهذا انطلاقا من دراسة الظواهر الطبيعية والاشتغال باكتشاف الواقع المحسوس وعلاقاته القائمة باستخدام المقياس التجريبي، والابتعاد عن المسائل الميتافيزيقية، والأحكام الذاتية، باعتماد خطوات إجرائية محددة (الملاحظة، الإفتر اض، التجربة) وتظهر التجربة على أما أداة التحقق والتا کیا،، وسلسلة الیوم والفصل في الحكم على طبيعة الدراسة ، وقيمة نتائجها، وبالتالي تتحدد قيمة التجربة كمقياس مبدئي للعمل التجريي، وكمعيار يحدد علمية العلم و الشرط الضروري الذي لا بد منه، لأنها تحتل موقعا محوريا في المنهج التجريي، وتستوعب ما يسبقها من خطوات، وتحكم على قيمة عملها. زيادة على أن التجربة موقعها العملي، تسمح بتكرار الحوادث للتأكد منها، ووسيلة حاسمة لقياس بعض الظواهر وتسجيل علاقاتها، وفرصة لإحداث مركبات جديدة وإبداعية، والتعبير عن أكبر قدر من الموضوعية. كل هذا جعل من التجربة هي مقياس العلم، والحكم الأساسي على علمية أي بحث أو دراسة، وإلحاقها بركب العلوم، وهذا ما أدى إلى اتساع مفهوم التجربة، وتنوع محال استعمالها نتيجة تنوع ميادين البحث وحقول المعرفة التجريبية (ميدان الفيزياء الفلك، الجيولوجيا، البيولوجيا، علوم الإنسان...) وكل هذا اقتضى الاستخدام المرن لمقياس التجربة، وجعلها تنمو وتتقولب مع طبيعة الموضوعات وخصوصياتها مع الحفاظ على الروح التجريبية كمقياس للحكم على العلمية، لهذا قال "غاستون باشلار": "إن عمر العلم يقاس بمدى تطور الوسائل التجريبية المستعملة لاكتسابه" .
النقد :
* لكن بالرغم مما قدمته التجربة من نتائج، وما أفرزته من حيوية في البحث والدراسة، إلا أنها لا تستطيع أن ترتقي إلى مستوى ضمان النتائج وإثبات اليقين فيها، لأن نتائجها تكتفي بالاحتمال المرجح والتقريبي فقط، لهذا يقول "كلود برنارد" "إن الاستدلال التجريبي يبقى دائما نسبيا ومؤقتا لأنه يمثل علاقات متشعبة هو ليس متيقنا من الإحاطة بها جميعا". ومن ناحية أخرى وهذا الأهم: هو أن المقياس التجريبي غير متيسر وغير ممكن في
كثير من الميادين المعرفية عند الإنسان، نتيجة اختلاف طبيعة الموضوعات وخصائصها، التي لا تتلاءم مع الروح التجريبية ومقاييسها، مما يفرض وجود مقاييس أخرى لتحديد علمية العلم وقياس قيمته.
نقيض الأطروحة:
 إن التجربة ليست هي المقياس الأوحد والضروري لتأسيس العلم والبرهنة علی شرط العلمية وقيمتها، لهذا يؤكد أصحاب الترعة العقلية أن العقل هو الذي يؤسس العلم، ويعبر عن القوانين، ويفهم الحقائق، لهذا يقول "ويوال ": "إن الحوادث تتقدم إلى الفكر بدون رابطة إلى أن يجيء الفكر المبدع"، ويقول "بوانكري": "نستطيع أن نسأل الطبيعة دائما، لكنها لا تجيب، بل نحن نجيب بدها". من هنا نجد أن دراسات مناهج العلوم تؤكد أن البرهنة على الحقائق وإثبات علميتها تقبل أكثر من مقياس، بحسب طبيعة الموضوع المدروس، فالقضايا الرياضية مثلا والبرهنة عليها، تعتمد المقياس الاستنتاجي الصوري، وتحقق نتائج قمة في الدقة واليقين، وبالتالي إثبات العلمية وقيمة النتائج، بل حتى صارت العلوم التي تعتمد المقياس التجريي تتطلع إلى استخدام الرياضيات طمعا في تحقيق الدقة، والأكثر من هذا: أنه لا علم إلا إذا عبر عن نتائجه بصيغ رياضية وتحويل الكيفيات إلى كميات.
من ناحية أخرى نجد أن الدراسة في الظواهر الاجتماعية، وكذلك المجالات الاقتصادية تتخذ لإثبات حقائقها علميا، الاستدلال الإحصائي، وما يترتب عليه من نتائج موضوعية، وكل هذا يؤكد أن مقياس العلمية ليس رهين المعيار التجريبي.
النقد :
 - لكن تعدد مقاييس إثبات العلمية لا يعني الانتقاص من قيمة المقياس التجريي وما يحققه من دقة وإبداع في النتائج، كما أن المقياس التجريي يبقى المقياس الأكثر استعمالا، والأوسع ميدان بين مختلف العلوم، مما يدل على فعالية هذا المقياس ونجاعته العلمية.
التركيب:
إن مقياس العلمية وتحديد قيمة العلم ونتائجه ليس واحدا في جميع ميادين الدراسة العلمية، لأن طبيعة الموضوع هي التي تحدد طبيعة المقياس الذي يتلاءم معه، ويثبت حقائقه العلمية، لهذا فالمقياس التجريبي لازم و ضروري كمنهج للعمل، ومبدأ للحكم على العلمية في العلوم والموضوعات التي تتناسب معه، لكنه ليس لازم في میادین أخرى لا ننام في طبيعتها و موضوعاتها مع النموذج التجريبي ولكن مع ذلك ها مقایسها التي تثبت بها علميتها. والاختلاف بين هذه المقاييس يبقى في درجة الدقة واليقين.
حل المشكلة
إن المقياس التجريي، مبدأ و معیار يتناسب مع طبيعة الظواهر الواقعية الحسية، برغم ما بينها من اختلاف، ويحدد علميتها وقيمة الدراسة فيها، لكنه ليس مقياس لازم وعام لكل میادین و حقول المعرفة الإنسانية.
 تحميل المقالة على شكل PDF هنــــــا


الاسمبريد إلكترونيرسالة