تحليل
نص فلسفي توفيق الطويل الملاحظة والتجربة العلمية
طرح المشكلة
إن المنهج التجريبي هو المنهج العلمي الذي يعمل
على اكتساب المعرفة والبرهنة عليها، عن طريق البحث واستخدام منهج استدلالي، يقوم
على خطوات إجرائية محددة، تدرس الظواهر الطبيعية الواقعية، وتعمل على فحص جزئیاتها
بغرض فهم العلل التي تحكمها وتفسرها. و تتمثل هذه الخطوات في: الملاحظة العلمية و
الافتراض، وكذا التجربة العلمية. والملاحظ هو أن خطوة الملاحظة والتجربة عند
الباحث يرتبطان مباشرة بالظاهرة ويشتركان في مشاهدتها واقعيا وهذا ما يوحد بينها،
ويجعل منهما أمرا واحدا. هذا التصور هو الذي أثار صاحب النص ودفعه لكتابة هذا النص
لمحاولة إظهار حقيقة الملاحظة والتجربة ودورهما في المنهج التجريي، ولهذا نتساءل: هل التجربة العلمية مجرد مشاهدة للظاهرة وأنا والملاحظة عملية
واحدة؟
في محاولة حل المشكلة :
الحقيقة التي يمكن أن ننطلق منها هي أن المجرب
هو بالضرورة ملاحظ ، وأن الملاحظ مضطر إلى التجريب دائما، لكن هذا لا يعني أنهما
عملية واحدة، فشتان بين أن يلاحظ العالم ما يجري في الطبيعة وبين أن يدرس الطبيعة
في مخبره. لهذا يعتقد صاحب النص أن هناك فرقا أساسيا ووظيفيا بين الملاحظة
والتجربة، وأن التجربة ليست مجرد مشاهدة للظاهرة، بل هي أعمق وأدق وأنضج من ذلك،
من خلال دورها الإجرائي الفعال ضمن النسق الاستقرائي.
من هنا يؤكد توفيق الطويل" أن
الملاحظة العالمية هي نسبل الظواهر كما منحها الطبيعة ومراقبتها بالذهن والحواس
كما هي عليه بالذات، رغبة في فه»ها والكشف عن خصائصها. لذا فالجهد الفكري الذي
يبذله الملاحظ ينصب على وصف الظاهرة وصفا دقيقا دونما تحوير أو تبديل أو تعديل،
فهو يقف منفعلا أمام ما تمليه عليه الطبيعة، والاستماع إلى ما تقوله من تلقاء
نفسها، وتسجيل كل ذلك بإحكام، وكأنه آلة "فوتوغرافية" أمينة،
تحفظ بدقة خصائص الظاهرة كما تقدمها الحواس. أما التجربة العلمية فهي إحداث
الظاهرة المدروسة ضمن ظروف و شروط اصطناعية، يوجهها الباحث بإرادته قصد التأكد من
الظاهرة وفهم عللها. لهذا يقال: "التجربة ملاحظة مستشارة"، أي أن الباحث لا يقف عند حدود المشاهدة بل يرتقي إلى مستوى
المشاركة في صناعة الأشياء، وتوجيه ظروف الظواهر ، واستجوابها حتى تنطق وتكشف عن
نفسها، لهذا يقول "كوفيي": "إن الملاحظ يصغي إلى الطبيعة أما المجرب فيسألها ويرغمها على الجواب". من
هنا يميز صاحب النص بين الملاحظة كمشاهدة واعية وممارسة مباشرة مع ما تقدمه
الطبيعة من تلقاء نفسها وتحديد مشكلة البحث بدقة كما تبوح به الطبيعة أما التجربة
فهي اصطناع مخبري يعده الباحث تبعا لتدبير ذهني يرمي إلى التثبت من ظاهرة ما،
والكشف عن خصائصها وعلاقتها الخفية. لهذا يقول "زيميرمان" توضيحا
للفرق بين الملاحظة والتجريب: "تختلف التجربة عن الملاحظة، في أن المعرفة التي تعطيها لنا الملاحظة
تبدو أنها تتقدم طوعا من تلقاء نفسها، في حين أن ما تدنا به التجربة هو ثمرة بعض
المحاولات التي نقوم بها قصد التحقق من وجود الشيء أو عدم وجوده". و
يتفق هذا مع ما يقوله "كلود برنار": "إن
التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نملكها لنطلع على طبيعة الأشياء التي هي خارجة
عنا".
و على هذا يظهر الفارق في الوظيفة بين الملاحظة
والتجربة.
و الصورة المنطقية للحجة كما يلي: إذا كانت التجربة عمل مخبري فإنها
تختلف عن الملاحظة كمشاهدة.
لكن التجربة عمل مخبري، إذا فهي
تختلف من الملاحظة . .
النقد :
غير أن حقيقة المنهج التجريبي وعمله يقتضي التكامل النسقي بين خطواته كلها لذلك مهما
كان التمييز بين الملاحظة والتجربة على المستوى النظري أو لأغراض منهجية كما فعل
صاحب هذا النص، إلا أنه من الناحية العملية يوجد تکامل وظیفي تام بين الملاحظة
والتجربة، لأن لهما هدفا واحدا مشتركا، وهو إدراك الحوادث وضبطها بالوسائل العلمية
الدقيقة.
حل المشكلة:
المنهج التجريبي الذي يدرس الظواهر الواقعية
يعتمد على خطواته الأساسية جميعها ولا يمكن الاستغناء عن أي واحدة منها أو
الانتقاص من دورها. لذلك نجد الفرق بين الملاحظة والتجريب يكمن فقط: في أن
الملاحظة مشاهدة للظواهر كما هي عليه في الطبيعة أما المجرب فیدر کها في شروط
ويهيئها هو بنفسه لغرض علمي معين مبني على ملاحظاته .
"نص".
یراد بالملاحظة العلمية توجيه الذهن والحواس
إلى ظاهرة أو مجموعة من الظواهر الحسية، رغبة في الكشف عن صفاتها وخصائصها، وتوصلا
إلى كسب معرفة جديدة، وتقوم طريقة الدراسة في وصف الظاهرة ومراقبة سيرها عمدا،
وتقریر حالتها باختيار الخصائص التي تساعد على فهم حقيقتها، ومعرفة كل الظروف التي
أوجبت وجودها. أما التجربة فهي ملاحظة مستثارة، لأن الباحث إذا كان في حالة
الملاحظة يرقب الظاهرة ويسجل حالتها من غير أن يحدث فيها تغييرا، فإنه في التجربة
يلاحظ الظاهرة في ظروف هيأها هو وأعدها بإرادته تحقيقا لأغراضه في تفسير هذه
الظاهرة، وهذه هي التجربة العلمية، فهي ملاحظة يتدخل أثناءها الباحث في مجرى
الظاهرة التي يدرسها. ... إن ما نعرفه بالملاحظة يبدو وأنه يظهر طوعا من تلقاء
نفسه، أما ما نعرفه بالتجربة فهو ثمرة محاولات تقوم بها بالتحقق من وجود شيء أو
عدم وجوده، وكذا تصبح الملاحظة تسجيل ظواهر بحالتها، والتجربة تسجيل ظواهر يخلقها
المجرب أو يحددها". "توفيق الطويل"
تحميل المقالة على شكل PDF هنــــــا