قارن بين إنطباق الفكر مع نفسه
وإنطباق الفكر مع الواقع
طرح المشكلة:
إذا
كان العالم والفيلسوف الفرنسي "رابيي"
يعرف المنطق عامة: "أنه العلم الذي يشتمل على شروط
مطابقة الفكر لذاته (لنفسه)، وشروط مطابقة الفكر الموضوعاته الواقع)، التي متي
اجتمعت كانت الشروط الضرورية والكافية للصدق والحقيقة". ومعنى هذا أن
المنطق عامة موضوعه هو الفكر الإنساني، وهدفه هو العمل على تحقيق انطباق الفكر،
سواء في صورة انطباق هذا الفكر مع نفسه أو في ص ورة انطباقه مع الواقع، ومنه
نتساءل: ما الفرق بين انطباق الفكر مع نفسه و انطباقه مع
الواقع؟ وما طبيعة العلاقة بينهما؟
في محاولة حل المشكلة :
مواطن الاختلاف:
- إن اتفاق الفكر مع نفسه، وانطباقه مع ذاته
محال فكري من الدراسة يهتم به ما يسمى "المنطق
الصوري" الذي يعتبر "أرسطو" اليوناني هو مؤسسه و مبدعه كنظرية
ومهذب مسائله المختلفة. أما انطباق الفكر مع الواقع، واتفاقه مع العالم الخارجي،
فهو منطق حديث يهتم به ما يسمى "بالمنهج الاستقرائي" أو "المنهج
التجريبي" الذي يعتبر "فرنسيس بيكون" من رواد هذا المنطق والمنادين
به. خاصة في كتابه "الأرغانون الجديد".
- کما نجد، من ناحية أخرى أن المنطق الصوري
الذي هدفه تحقيق انطباق الفكر مع نفسه، موضوعه الأساسي هو دراسة قوانين الفكر الضرورية، وتبيان القواعد
التي يجب على الفكر الالتزام ما حسن لا يتناقض مع نفسه في أحكامه واستدلالاته،
بعكس المنطق الاستقرائي الذي يستهدف تحقيق انطباق الفكر مع الواقع، فموضوعه
الأساسي هو دراسة مادة الفكر، وفهم الموضوعات التي يبحثها ومدى مطابقتها للواقع،
ومن ثمة الاعتناء بتحديد الطرق والمناهج التي
يعتمدها
العلماء لاكتشاف الحقائق وبناء القوانين.
-
ضف إلى هذا أن المنطق الصوري يضع قواعد كلية ثابتة في جميع الموضوعات بلا
تمييز،
لأنه ينظر إلى الشكل وصورة الأحكام، والاستدلالات بغض النظر عن مضمون المعرفة
وموضوعاتها، أما المنطق الاستقرائي فهو نسبي خاص يضع القواعد وفق طبيعة كل موضوع
على حدى، شريطة المحافظة على خ صوصية
المنهج
والالتزام بالمقياس التجريي.
-
زيادة على هذا أن البرهنة والاستدلال في المنطق الصوري استنتاجية تنطلق م ن
الكلي
العام للوصول إلى الجزئيات، أما حركية البرهنة في الاستقراء فتنطلق م ن الحالات
الجزئية الخاصة إلى حكم كلي عام. أي الوصول إلى القواعد العامة والكلية من خلال
الأحكام الجزئية.
مواطن الاتفاق
لكن برغم كل تلك الاختلافات بين انطباق الفكر مع
نفسه وانطباقه مع الواقع، فإن بينهما الكثير من أوجه الاتفاق:
-
فكلاهما جهد إنساني، ووسيلة للمعرفة تسعى لتحقيق انسجام الفكر .
- كما أن كلاهما هدفه الابتعاد عن الأخطاء
والتناقض والمحافظة على سلامة الفكر الإنساني.
- كما
أن كلا منهما يقوم على مبادئ أساسية واضحة ويعتمد موضوعا ومنهجا خاصا به .
-
كلاهما يعبر عن صورة من صور الفكر الإنساني وأبعاده المختلفة.
مواطن التداخل :
انطباق
الفكر مع نفسه شكلي وصوري لا يستطيع تناول كل موضوعات المعرفة الإنسانية لهذا ظهر
المنطق الاستقرائي ليتناول موضوعات الواقع ويحقق انطباق الفكر مع الواقع و بالتالي
تحقيق صورة الفكر المتكامل مع نفسه ومع موضوعاته ، لكن من ناحية أخرى أن المنطق
الاستقرائي لا ينطلق من فراغ، بل ينطلق من ذات لا تتناقض مع نفسها، وبالتالي يضع
دائما نصب عينيه القواعد التي وضعها المنطق الصوري ولا يغفل عنها لأنها قواعد عامة
لكل تفكير.
في حل المشكلة :
إن
التفكير المنطقي سواء كان استقرائيا يحقق انطباق الفكر مع الواقع أو منطقا صوريا يعمل
على تحقيق انطباق الفكر مع نفسه، وبرغم الاختلاف الموجود بينهما من حيث المبدأ و
الموضوع وطريقة البرهنة، فإنه مع ذلك يلتقيان في الهدف العام، وهو محاولة الوصول
إلى الحقيقة وإبداع أحسن الوسائل لبلوغ اليقين أو الاقتراب منه. لذلك الأبحاث
المنطقية المعاصرة تحاول المقاربة بين النسق العقلي والنسق الواقعي كجدل إيجابي
منتج، و بالتالي تجاوز منطق الرفض والإقصاء.
تحميل المقالة على شكل PDF هنــــــا