JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

الشعور وحدة في كثرة وتغير في اتصال

 الشعور وحدة في كثرة وتغير في اتصال

إن للشعور صورة وصفات متنوعة، لكن وحدته لا تنفصم ؛ فكيف نزيل هذا التعارض ؟
1. من الشعور العفوي (الهامشي ) إلى الشعور الإرادي ( التأملي) :
تظهر الحالات النفسية في الشعور العفوي، بثوبها الطبيعي المجرد من كل تأمل؛ فالفرح والحزن والخوف والغضب حالات نعيشها وهي ظواهر متصلة يشترك فيها الطفل والإنسان البدائي والإنسان المتحضر، وهذه الحالات تقفز إلى ساحة الشعور ويسيرها في الغالب قانون التداعي الحر، فنقول عن هذه الحالات الشعورية أنها حالات عفوية تلقائية. أما حين نعود إلى أنفسنا ونتأمل بشكل قصدي ونمعن النظر فيما نعيشه لتصبح الموضوعات التي نفكر فيها حقائق واضحة تشبه إلى حد بعيد موضوعات العالم الخارجي، كنا إاء الشعور الإرادي ؛ والفرق بين الشعور العفوي والإرادي هو أن العفوي حالاته انفعالية أو عقلية أو فاعلة، أما الإرادي فلا يمكن لحالاته أن تكون إلا عملية تأملية . ونخلص إلى أن الشعور العفوي يتميز بالبساطة بينما الشعور الإرادي هو شعور مرکب ؛ ذلك أن الشعور الإرادي إنما يقوم على الشعور العفوي، والنسبة بينهما کنسبة الإحساس إلى الإدراك، ووظيفة الشعور العفوي بالنسبة للشعور الإرادي في إدراك الحياة الباطنية كوظيفة الإحساس في إدراك العالم الخارجي. 2. طبيعة الشعور التنوع: لنتمعن في هذه الخواطر التي سجلها وليم جيمس 1842 - 1910 ) ذات مرة:
كثيرا ما ننتقل من أحساس بصري إلى إحساس سمعي، ومن حكم إلى عزم، ومن ذكرى إلى أمل، ومن حب إلى بغضاء [...] ولشد ما يختلف إدراكنا للأشياء بحسب ما نكون أيقاظا أو نعاسا، جياعا أو شباعا، في الراحة أو في التعب . فيتبدل شعورنا بالأشياء بين عشية وضحاها، أو بين الصيف والشتاء، أو بين الطفولة والشباب والشيخوخة [...] وكثيرا ما نعجب لتبدل قيم الأشياء في أعيننا، فيدهشنا اليوم ما اتخذناه أمس من الأحكام، ونرى الأشياء كل عام، بألوان جديدة، فيغدو الخيالی حقيقيا، والمهم تافها، ويخيل إلينا أن أحبابنا الذين لم نرغب في الحياة إلا من أجلهم، قد انقلبوا اليوم إلى ظلال زائلة . فكيف صارت هذه النساء، وتلك النجوم، والغابات، والمياه، قاتمة تافهة، بعد أن كانت إلهية ساحرة ؟ و کیف زال حسن تلك الغادات، وخبا ذکرها بعد أن كانت تحرك في نفوسنا نسمات اللانهاية ؛ أين ذهبت أسرار معاني ( غوته ) - العميقة ؟ [...] إن ما كان يفتننا ويحمسنا من قبل ليملنا اليوم ببرودته القاسية، فنستثقل تغريد الطير، ونجد نسيم الصبح محزنا، والسماء مظلمة
.3 تستنتج مما سبق أن للشعور صفات منها :
- أنه تیار متدفق لا يعرف السكون وإن تعددت درجاته ؛ والحياة النفسية تتغير من حال إلى حال فهي لا تسير في خط مستقيم و التعارض القائم بين الحالات النفسية هو ما يمكننا من إدراكها بوضوح، فنحن لا نكتشف قيمة الشيء إلا بعد فقدانه ؛ فقيمة الصحة تارك بوضوح في حالة المرض، ولحظات السعادة تكتشف في لحظات الشقاء ، فكل الحالات النفسية محكومة بقانون النسبية، ولو سارت الحياة النفسية على نمط واحا. لما استحقت أن تعاش، ولو كانت الحياة النفسية نمطية لصارت متصلبة آلية جاهاة لا تختلف في ذلك عن العادة، ولولا هذا التيار المتدفق من المشاعر لما أمكننا التطور والتكيف مع مقتضيات الحياة - وأنه لا يعرف الانقطاع وإن تنوعت دروبه، ولا يزول ولو في حالات الغيبوبة؛ فهو يقوي ويضعف لكنه لا ينقطع. كما أن له درجات ؛ ومجالها بين الغيبوبة العميقة واليقظة وشدة الانتباه، وبينهما الحذر القصدي والحذر البسيط، والنوم الخفيف ( الغفوة ) والنوم مع الأحلام، والنوم العميق، ووسط هذا التغير لا يعرف الانقطاع، وبذلك فإن الشعور شبيه بسيلان وتدفق دائم الحركة ؛ إنه إتصال كما يسميه برغسون الديمومة - وأنه زمانی لا مکانی، و کيفي لا كمي، إننا نعيشه ولكننا لا نقدر على تحديد مكانه ؛ إنني لا أستطيع أن أحدد إن كان حب وطني في أعلى قلبي أو في أسفله، كما أنني لا أستطيع أن أقدر هذا الحب بكذا رطل أو كذا درجة . ومن جهة أخرى، فإن هذا الزمان نفسي داخلي، وهو بذلك ديمومة محضة تدخل في مقولات الكيف لا مقولات الكم، والفرق بينها وبين الزمان العادي أنها لا تقاس كما يقاس الزمان الرياضي أو الزمان الفيزيائي . فهي تجدد دون انقطاع، ولحظاتها المتعاقبة يدخل بعضها في بعض حتى تؤلف كتلة واحدة، فهي إذن زمان مشخص لا زمان مجرد كما في الزمان العادي المنقسم إلى وحدات متساوية - وأنه شخصي وذاتي وغير مفارق لها بل هو جزء منها ؛ فلا يمكن أن توجد الرغبات بمعزل عن الذات الشاعرة، والنغمة الواحدة تحدث في الناس إحساسات ومشاعر مختلفة بحسب اختلاف الأشخاص . - كما أنه انتقائی ؛ ذلك لأن فاعلية النفس محدودة إذ ليس بمقدورها الإحاطة بكل ما يمر في ساحة الشعور أو ما يظهر في العالم الخارجي، فتلجأ لاصطفاء ما پلائحها وما يوافق أحوالها وتهمل ما لا يناسبها ....



الاسمبريد إلكترونيرسالة