كذب بالبرهان الأطروحة القائلة: "إن التجربة
الحسية هي أصل كل المعارف".
الاستقصاء بالرفع.
طرح المشكلة :
إذا
كان الإنسان يمتلك العقل كقدرة واعية، بما يفهم الأشياء ويمايز فيما بينها ويحكم
عليها، فشاع التداول أن العقل هو الأداة الأساسية لكل معرفة والأصل الذي ترد إليه،
لكن هناك من يخالف هذا الرأي ويقف منه على النقيض، باعتقاده أن المعرفة والفهم
والتعامل مع العالم الخارجي وظواهره لا تكون إلا من خلال الحواس والتجارب الحسية،
وكأن التجربة الحسية هي أصل كل المعارف، لكن هذا الموقف
يبدو غير مؤسس على يقين فكيف يمكن تكذيب هذه الأطروحة وإبطال مشروعيتها؟
في محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة
يعتقد أصحاب المذهب التجريبي وعلى رأسهم "بيكون"، "جون لوك"، "دفيد
هيوم" أن التجربة الحسية أصل كل المعارف ومصدرها الأول وكل ما يكتسبه
الإنسان من معارف يرد إلى الواقع الحسي، ويؤسسون هذا على مسلمة مفادها: أن العقل
يولد صفحة بيضاء خالية من أي أفكار فطرية قبلية، لهذا لا وجود لشيء في الذهن مالم
يكن من قبل في الحس، ويؤكدون هذا بحجة أن المعرفة لا توجد جاهزة بل تكتسب بالتدرج،
بالممارسة التجريبية طريقة تعلم الأطفال - كما أن المعاني والأفكار الموجودة في
أذهاننا ما هي إلا انعکاس وصورة طبق الأصل لما هو موجود في الواقع، لهذا يقول "دفيد هيوم": "لا
شيء من الأفكار يستطيع أن يحقق لنفسه ظهورا في العقل، ما لم يكن قد سبقته ومهدت له
الطريق انطباعات مقابلة له"، إضافة إلى أن الناس بعدهم متفاوتون
في المعرفة أعربه میکنه با هم و عارهم الحسية، ولو كانت لديهم أفكار فطرية لتساووا
في در بحة المعرفة اذا قيل قديما: من فقد حاسة من الحواس فقد علما من العلوم.
إبطال الأطروحة:
غير أن هذه الأطروحة تعرضت لانتقادات عديدة من
أهمها: أن التجربة الحسية لا يمكنها لوحدها أن تؤسس وتبني المعرفة الإنسانية
المتعددة الميادين والمضامين لأنها تفتقد للإطار الذي يعطي للمعارف مفاهيمها
وصورها المعرفية، كما أن المعارف الحسية لا تصل أبدا إلى مستوى اليقين وتبقى عرضة
للشك والتغير (النسبية) مما يفقدها قيمتها. كما أن التجربة احسية لا تطلعنا إلا
على المظاهر والخصائص العرضية و بالتالي العجز على إدراك جوهر الأشياء و ماهية
الحقائق والتي هي هدف المعرفة، مما يعني أن التجربة قاصرة عن الوصول للمعرفة.
نقد موقف أنصار الأطروحة:
إن ما
يذهب إليه أنصار هذه الأطروحة لا تؤكده حقيقة المعارف ودلائل الواقع لأن التجربة
الحسية لا يمكنها أن تقدم معرفة لأن ما تنقله من الواقع والظواهر عن طريق الحواس،
محرد شتات معرفي لا يمكنه أن يؤسس معرفة أو حقيقة لوحده، إن لم يتدخل العقل لكي
يفهمه وينظمه ويعطه دلالة معرفية، لهذا يقول "ديكارت": "الأحاسيس
إنما هي أفكار غامضة، مبهمة لا تؤدي إلى اليقين الذي نتوخاه...". كما أن
المنهج الاستقرائي الذي يعتبر أساس المعارف التجريبية، كل ما يصل إليه من نتائج أو
أحكام تبقى غير مبررة ولا يقين لها، وغير مقبولة إن لم يستند إلى أوليات عقلية
يسلم بها كضرورة توجه عمل التجربة وإلا انتهت إلى الشك واستحالة العلم، وهذا ما يؤكد
فساد الأطروحة و بطلانها.
حل المشكلة :
وعليه نستنتج أن التجربة الحسية ليست أصل
المعارف الإنسانية وليست مصدرها لأنها لا تحدد فهمنا ولا تقدم إطلاقا حقائق يقينية
ولذلك نحكم بكذب هذه الأطروحة و فسادها ونفي مشر و عبتها، فالتجربة ليست أصل كل
المعارف
تحميل المقالة على شكل PDF هنــــــا