إن المنطق الاستقرائي يرفض الأخذ
بالأحكام المسبقة مطلقا .
- فند هذه الأطروحة.
الطريقة الاستقصاء بالرفع.
طرح المشكلة:
المعروف أن الفكر الإنساني في تعامله مع نفسه أو
مع الظواهر لا يكون فارغا أو صفحة بيضاء، بل هو محكوم بمبادئ أولية فطرية، تشكل
البنية المنطقية للعقل البشري، وتعتبر أساس كل المبادئ (أحكام سابقة)، من هنا كانت
الدراسة الاستقرائية تأخذ بهذه المبادئ كأحكام مسبقة تؤمن بها كمبادئ عقلية محردة
وغير مثبتة علميا، وتسلم كما كضرورة تحكم منهج بحثها، لكن من ناحية أخرى نجد أن
الدراسة الاستقرائية وقناعة باحثية ترفض مطلقا سوابق الأحكام وتعتبرها خطرا على
البحث العلمي ومقاصده الموضوعية، بالرغم من أن نتائج أبحاثهم الاستقرائية لا تستند
إلى ضمانة واقعية تؤكدها. ومن هنا نتساءل: كيف يمكن تفنيد
ه ذه الأطروحة التي تعتقد أن المنطق الاستقرائي لا يأخذ بالأحكام المسبقة؟ وماهي
مبررات بطلاها و فسادها؟
في محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الأطروحة:
إن المنطق الاستقرائي الذي يهدف إلى تحقيق
انطباق الفكر مع الواقع انطلاقا من خطوات إجرائية مؤسسة يرفض تماما الأخذ بالأحكام
المسبقة كخبرة أولية لأنما غير مؤكدة بوقائع تحريبية تثبتها علميا، والأخذ بما يعد
تناقضا مع روح العمل الاستقرائي ، لذا يجب التجرد من الأحكام المسبقة والعمل على
محاربتها وإقامة قطيعة دائمة معها، وهذا ما دافع عنه "غاستون باشلا"،
"ج. س. مل" "فرنسیس پیکون" حيث يؤكد هذا الأمر أنه يجب
تعلم تحرير العقل من شوائب الأخطاء، عوائق تحول دون الكشف عن الحقيقة. لذلك لا بد من تخطي
اليقينيات الزائفة، والأوهام مختلف أنواعها، حين يكون الاستقراء قائم على أساس
صحيح. فالأحكام المسبقة إذن تؤدي إلى انحراف البحث العلمي، وتبعده عن الموضوعية، و
تفويض أركان نتائجه، من خلال إصدار أحكام لا تبررها وقائع تجريبية. لهذا قال كلود
برنارد": "خير للمرء أن يكون جاهلا لا يعرف
شيئا من أن يكون بذهنه أفكار تلازمه وتستبد به".
إبطال الأطروحة:
غير أن هذا الموقف الذي يؤسس الاستقراء على
التجربة وحدها ويرفض الأخذ بأي مبادئ أولية، واجهته انتقادات عديدة من أهمها:
- أن النتائج المتوصل إليها في الاستقراء لا
يمكن الثقة بما لأنها مبنية على قضايا جزئية احتمالية، كما أن هذه النتائج لا
تستند إلى أي ضمانة تؤكد أنها تبقى كذلك في المستقبل، وهذا معناه الشك في نتائج
الدراسة الاستقرائية ومبرراتها وأساليبها، وبالتالي ه دم العمل الاستقرائي، أو الأخذ.
مبادئ أولية (سابقة توجه التقريرات الاستقرائية ضرورة.
كما أن العمل الاستقرائي يقتضي
التسليم بمبدأ الحتمية ومبدأ السببية، ومبدأ إطراد الظواهر وغيرها من المبادئ، رغم
أنها هي نفسها غير مثبتة، لكن مع ذلك القوانين العلمية تعتمد على هذه المبادئ عند
وضعها. وکا هذا يؤكد أن المنطق الاستقرائي كعمل استدلالي يأخذ بمبادئ أولية عند
دراسته للظواهر .
نقد موقف أنصار الأطروحة:
إن أنصار هذه الاطروحة الذين يدعون أن الاستقراء
لا يأخذ بالأحكام المسبقة في دراسته هو موقف باطل وغير صحيح فالدراسة الاستقرائية
إما أن تأخذ بأحكام مسبقة لمبادئ أولية أو تنتهي دراستها إلى الشك واستحالة العلم.
لكن المنطق الاستقرائي عندما يأخذ بالأحكام المسبقة والمبادئ الأولية كإطار
للفكر، هذا لا يعني أنه يأ خذ،
بآراء و ميول شادية شقراء ، وأهواء ذاتية زائفة، بل يأخذ بأحكام تشكل مبادئ كونية
لا تستقيم الروح العلبة ولا الإبداع والاكتشاف إلا بما . من ناحية أخرى نجد أن
الفكر الاستقرائي يطرح مشکلا فلسفيا. وهو أن العلماء يعتمدون في أبحاثهم على
معطيات أولية كأحكام مسبقة لا يقوى على إثباتا استقراؤهم، ومع ذلك فإنها ضرورية
لعملهم الاستقرائي ولا يمكن رفضها، وكأن هناك تلاقي وتواصل بين الفكرة والحادثة.
في حل المشكلة
الفكر الاستقرائي هدفه هو
ضمان سلامة التفكير وعدم تناقضه مع الواقع، وفق آليات خاصة يعتمدها للوصول إلى
الحقيقة وفق أسس موضوعية، لكنه مضطر للأخذ بمبادئ أولية توجهه وتسنده منهجيا
وتبعده عن الشك في نتائجه. و عليه نستنتج بطلان الأطروحة القائلة "بأن المنطق
الاستقرائی یرفض الأخذ بالأحكام المسبقة مطلقا" وبالتالي نحكم بفسادها وعدم
مشروعيتها.
تحميل المقالة على شكل PDF هنــــــا