تعريف علم النفس وموضوع دراسته
يقال أن موضوع دراسة علم النفس هو الإنسان ، ولكن هذا التحديد غير دقيق وذلك من ناحيتين: أولهما أن علم النفس ليس وحده الذي يدرس الإنسان فهناك العلوم البيولوجية المتعددة وكذلك الإنسانيات ، وثانيهما أن علم النفس لا يدرس الإنسان فقط بل الحيوان كذلك ، أذ أن موضوع دراسته يتسع ليشمل معظم أنواع المملكة الحيوانية ( أنواع معينة من النشاط لديها كما سنرى ) . ( أحمد عبد الخالق ، 1983 ) وقيل كذلك أن موضوع الدراسة السيكولوجية هو الحياة ولكن " الحياة " كلمة عامة وشاملة ويصعب تحديدها لاتساعها ، ذلك أنها تشتمل على جوانب كثيرة يمكن أن يدرسها علوم عديدة ، والفلسفة وحدها هي ذلك الفرع من التخصص الذي يمكنه دراستها ككل ( ويجب التفرقة بين دراسة الحياة ، وعلم الأحياء ) .
ومن بين تحديدات موضوع دراسة علم النفس أيضا ، التعريف الذي يقول ( إن علم النفس يدرس الحياة العقلية للإنسان ، وهو تعريف أكثر تحديدا من سابقيه ، إلا أنه لا يشمل كل ما يدرسة هذا العلم ويوجد تحديد أخر لعلم النفس ، هو تعريفه بأنه العلم الذي يدرس الوظائف العقلية مثل الإدراك والتعلم والتذكر والتفكير والتخيل والإبداع وغيرها في حالاتها السرية ( علم النفس العام ) ، ويدرس هذه الوظائف هي نفسها في أحوالها غير السوية (علم النفس المرضي) . وهذا التعريف فيه كثير من الدقة والموضوعية ، ولكنه غير جامع لكل موضوعات دراسة السيكولوجيا أو علم النفس .
- وهذا يدفعنا إلى عرض ما يدرسه علم النفس ، فالهدف الأساسي لعلم النفس هو دراسة النشاط والتغير عند الانسان ، اللذين نستطيع ملاحظتهما مباشرة ، أو بملاحظة نتائجها وكذا دراسة السلوك والشخصية (على زيور ، مريم سليم ، 1986 ) كما أن الهدف الأساسي للسيكولوجيا التجريبية هو شرح سلوك الكائن الحي ( انسانا " كان أم حيوانا ) وبالتالي ينطلق العالم النفسي من أن السلوك يخضع لقوانين عامة ينبغي علينا أن نستطيع اقامتها انطلاقا من ما يصدر عن الانسان أو الحيوان من نشاط قابل للملاحظة ويستطيع قياسه ، وهكذا فإن ما يهم العالم النفسي " هو أن يعرف ما اذا كان بالمقدور ، كما يفعل الفيزيائي في دراسة المادة . اكتشاف القوانين الكبرى التي تتيح الاحاطة أو التحليل لكيفيات النشاط الانساني " وبعبارة أخرى فإن أول أهداف السيكولوجيا التجريبية هو إقامة القوانين العامة للسلوك . وبناء على ما سبق ذكره يمكن أن نحدد علم النفس على أنه: " دراسة سلوك الكائن الحي باستخدام الملاحظة المضبوطة ، والتجارب الموضوعية " .
وبمعنى أخر علم النفس هو العلم الذي يدرس سلوك الكائنات العضوية " والمقصود بالكائنات العضوية كل أفراد المملكة الحيوانية ابتداء من الكائنات وحيدة الخلية مثل الأميبا ، صعودة حتى تنتهي بالإنسان أكثر الكائنات تركيبا ورقية . والكائن العضوي أو الحيوان بأوسع معني لهذا اللفظ يشمل اذن ما نصطلح على تسميته بالحيوان وكذلك الانسان والكائن العضوي من الناحية البيولوجية هو تلك الوحدة الحية التي تتكون من أعضاء وأجهزة قادرة مع بعضها البعض على القيام بوظائف تكاملية متآزرة . وهذه الكائنات العضوية كذلك تنمو وتتطور ، وهي قادرة ومجهزة للقيام بوظائف حيوية كثيرة هي التغذية والتناسل والحركة والإحساس . أما السلوك فهو مصطلح مستخدم في علوم شتي ، ولكنه عندما يستخدم في علم النفس ، فانه يتسع ليشمل الحيوان والإنسان الكبير والصغير ، الفرد والجماعة ، السوي والمريض ، وغير ذلك من تصنيفات السلوك الذي يشمل ميادين مختلفة كالأسرة والمدرسة والمصنع والعبادة والمجتمع كله . ويقصد بالسلوك بوجه عام كل أنواع الأنشطة أو الأفعال والعمليات الصادرة عن الكائنات العضوية ، والتي يمكن ملاحظتها بطريقة موضوعية (علمية دقيقة) مع امکان تسجيلها وقياسها بدقة . ويمكن تحليل السلوك الى جانبين ، أولهما جانب خارجي ظاهر كالحركة والحديث والضحك والمشي والبكاء ، وثانيهما جانب داخلي باطن كعمليات التفكير والتذكر والتخيل والانفعال . والسلوك كذلك مرادف للرجع أو رد الفعل أو الاستجابة . والاستجابة هي كل نشاط
أو فعل يصدر عن الكائن العضوي ويرد به على المنبه الذي مارس فعله عليه وأثر فيه . وقد تكون الاستجابة عضلية أو غدية ، نفسية انفعالية ، أو فيزيولوجية ، أو حركية الاستجابة تكون اذن لمنبه ، والمنبه اما داخلي أو خارجي . والمنبهات الداخلية نوعان : فيزيولوجية (كزيادة افراز الأدرينالين أو نقص نسبة تركيز السكر في الدم، وانفعالية (كذكرى حفل عيد ميلاد عزيز لدينا) . والمنبهات الخارجية كذلك نوعان : اجتماعية (كسؤال صدبق عنا) ، وفيزيقية ( كتيار من الهواء بارد أو ضوضاء من الطريق مزعجة ) .
ويهتم علم النفس بالمنبهات المركبة كالانفعالية والاجتماعية ، أكثر من فحصه التأثير المنبهات البسيطة كالفيزيولوجية والفيزيقية وفي هذا المجال يوجد تداخل بين علم النفس والفيزيولوجيا إلا أنه يمكن حسمه الى حد كبير ، وبوجه عام يمكن القول بأن علم النفس يدرس الصور التكاملية المركبة للسلوك ، أو أن السلوك الذي يدرسه علم النفس هو مجموعة الأنشطة التي تصدر عن الكائن العضوي ككل ، فى تفاعله المستمر مع بيئته الاجتماعية بوجه خاص) ومحاولاته الموصولة لتحقيق التوافق لها . ومن هنا فإن المعادلة الأساسية البسيطة في علم النفس تتكون من طرفين هما المنبهات والاستجابات . ولكن يجب إضافة طرف ثالث ومهم الى هذه المعادلة وهو الكائن العضوي الذي تؤثر فيه المنبهات وتصدر عنه الاستجابات . فقد يكون المنبه واحدا وتتعدد الاستجابة له من قبل مجموعة ومن الأشخاص تبعا لتنوع خواصهم . وبمعنى أخر فان السلوك أو الاستجابة دالة أي علاقة بين متغيرين هما : المنبه والكائن العضوي أي يحددها خواص الطرفين الأخيرين. وعلى هذا المستوى توجد انواع ثلاثة من
الاستجابات تبعا لعموميتها وهي :
1- استجابات عامة وشائعة بين البشر جميعا .
2- استجابات خاصة ومميزة لمجموعة معينة من البشر
3- استجابات فريدة ومتالقة بكل حالة على حدة