JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

" إن الشغل يحقق ماهية الإنسان، ويخلق نظاما من التضامن تتحدد فيه الإنسانية " - حلل وناقش

قيل : " إن الشغل يحقق ماهية الإنسان، ويخلق نظاما من التضامن تتحدد فيه  الإنسانية"
ناقش هذا القول وامتحن صوابية ما يذهب إليه
طرح المشكلة :
 من الحقائق البديهية عند الإنسان: أن الأعمال هي أصل المكاسب لذلك قال "ابن خلدون" : "المكاسب إنما هي قيم الأعمال، فإذا كثرت الأعمال کثرت قيمها"، وهذا يعني أن العمل قيمة ومكسب إنساني في مناحية المادية والمعنوية، بل يعتبر إحدى خصائص الإنسان الأساسية التي يستمد منها قيمته الإنسانية والاجتماعية... لكن مفهوم العمل تاريخيا نجده مفهوما متغيرا بحسب طبيعة المجتمعات، وقيمهم ، ونظرتم إليه، وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن قيمة العمل ودوره الإنساني : "هل يمكن للعمل أن يحقق ماهية الإنسانية؟ وما هو دوره في بناء العلاقات الإنسانية وخلق التضامن الاجتماعي".

في محاولة حل المشكلة:
عرض الأطروحة (الموقف الأول):
 إن العمل هو إحدى خصائص الإنسان الجوهرية، ومنه يستمد قيمته الإنسانية والاجتماعية، فالعامل بواسطة نشاطه يعبر عن كيانه وشخصيته لهذا يقول "إيمانويل موبني": "إن كل عمل يهدف إلى أن يصنع في نفس الوقت إنسانا وشيئا" لأن العمل يحمل قيما عميقة تتجاوز تلبية الحاجات البيولوجية والمواد الضرورية للإنسان وحياته، فهو قدرة على التحرر من محال الضرورة بأوسع معانيها، وتمكين للسيطرة على الطبيعة، وتغيير لوجه العالم والتحكم في ظواهره... و بالتالي إثبات ذاتية الإنسان وفعالية شخصيته . ويؤكد "كارل ماركس" أن للعمل تأثير بالغ على طبيعة العامل النفسية والجسدية ويغيرها، فالعمل فعل يتم بين الإنسان والطبيعة، والإنسان يحرك قوته وما يملكه من أدوات لكي يؤثر على الطبيعة وظواهرها، حتى يغيرها ويعطيها صورة مفيدة للحياة، ولكنه في نفس الوقت يغير طبيعته ذاتها وينمي الملكات الكامنة فيها... مما يعني أن العمل سلوك ينمي إنسانية الإنسان، ويعبر عن السلوكات الإرادية الواعية التي تهدف إلى ترقية الواقع الإنسان ماديا ومعنويا . كما أن الشغل يحرر الإنسان من قيود الحاجة والآفات الأخلاقية، ويبعده ع ن الانحرافات والرذائل والسمو به إلى مرتبة الإنسانية، يقول "فولتير": "العمل يبعد عنا ثلاثة آفات: القلق والرذيلة والاحتياج" ويقول أيضا: "إذا أردت أن لا تقدم علی الانتحار ... أوجد لنفسك عملا". ومن جهة أخرى فالعمل يعد نقلة نوعية من العالم الذاتي الضيق للفرد، إلى مستوى الانفتاح على عالم الحياة الاجتماعية، ونشاطاتها المنتظمة وقيمها، من حيث محاربة الأنانية والذاتية والفوضى... وتحسيد قيم التعاون، والاستقامة وبناء العلاقات الإنسانية في أبعادها المادية والمعنوية، وخلق نوع من التضامن والتكافل الاجتماعي، لأن اتحاد الجهود بين الأفراد، يشعر كل واحد من أعضاء الجماعة أنه عضو فعال لا غني عنه، فالمصلحة مشتركة، وقيمة الإنسان تقاس بمقدار ما يقدمه للآخرين، وهنا بحد دلالة القول في موضوعنا الذي يؤكد على أن العمل يحقق ماهية الإنسان ويخلق نظاما من التضامن تتحد فيه الإنسانية.

النقد :
 - لكن هذا الشق الإيجابي في النظرة إلى العمل، لا يمكنه أن يخفي الوجه السلبي له، فاستقراء بسيط لتاريخ الإنسانية الطويل وهمومها، يؤكد ما يحمله العمل من مآس واستغلال واستعباد، بل وحتى في أحسن الأحوال يجد العامل نفسه تحت ض غط العمل وإكراهاته، وفي وضع مشحون بالمشاكل النفسية والاجتماعية، مما يجعل من العمل وجه للتعاسة والإخضاع والردع.
( نقيض الأطروحة (الموقف الثاني)
إن العمل قد يكون طريقا لتغييب إنسانية الإنسان، ووسيلة لاستعباده، ورهن إرادته، وأبعاده الروحية، واستغلال الإنسان للإنسان، فقد كان العمل يرادف العبودية والاسترقاق عند قدماء اليونان، بسبب تعلقه بعالم المحسوسات، وبعده عن الحياة الروحية، التي يتمتع بها ذوو الحكمة، وبالتالي إقرار الحياة الطبقية والتمایز الاجتماعي، وهذا ما نجده في فلسفة "أفلاطون"، و"أرسطو" التي اعتبرت العمل الجسمي بصفة عامة يحط من قيمة الإنسان، فاحتقرت الشغل العضلي وجعلته خاصا بالعبيد: فالتعدين، والنجارة وصناعة الأسلحة، والجلود، والأعمال المنزلية هي من اختصاص العبيد، ومن هنا كان الرق منتشرة في جميع الحضارات القديمة للقيام بهذه الأعمال وغيرها... كما أن العقيدة المسيحية حسب "الأناجيل" تعتبر العمل ذلة ومهانة، ومشقة، و نوع من العذاب الذي يعانيه المذنب نظرا لخطيئة الإنسان الأولى، ويظهر م ناحية أخرى أن ممارسة العامل لبعض المهن الحقيرة و التافهة التي لا تستحق الإطراء، تضعه في جو مشحون بالضيق، وتحمله على الشعور بأنه منبوذ ومحتقر وبالتالي المساس بكرامة الإنسان، والحط من سمعته. كما أن العامل اليوم قد صار عبدا للآلة، ومكتل من كل جهة، وأصبح الإنسان يخضع للعمل وتقسيماته وظروفه، حتى وإن لم يتلائم مع مواهبه ولامع مقاصده بسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ثم إن التعلق بالملكية الخاصة، والأملاك حسب رأي الاشتراكيين تخلق في الإنسان عقلية خاصة، وتشجع على استغلال الإنسان للإنسان، من خلال وضع العمال والأجراء تحت ضغط أرباب العمل، وأصحاب رؤوس الأموال الذين يفرضون واقع يقيدون فيه العمال ويسلبون إرادتهم وقيمهم. وكل هذا يؤكد أن العمل صار وجه للتعاسة و الحط من كرامة الإنسان وإخلال بالتوازن الاجتماعي.
النقد :
- غير أن هذه النظرة احتقرت العمل، وأنزلت من قيمته، وحملته سلبيات كثيرة، الإنسان هو الذي اصطنعها وابتدعها، وبالتالي إمكانية تجاوزها وتغييرها. كما أن العمل ثقافة وسلوك حضاري يمكن توجيهه نحو غايات وأهداف إنسانية سامية، ترفع من شأن العامل، وتكرم صاحبه، لهذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لأرى الرجل فيعجبني شكله، وإذا قيل لي لا يعمل سقط من عيني" مما يعني أن العمل دليل على قيمة الإنسان ورفعة قدره اجتماعيا.
التركيب :
 إن العمل مفهوم مکتسب عند الإنسان، وبالتالي فهو يوجه قيمة العمل ودوره وقيمته بحسب ثقافته ونظرته إلى العمل وكيفية توجيهه ماديا ومعنويا . لكن يبقى العمل في كل الأحوال مبدأ، وقدرة إنسانية يغير بها الواقع لما هو نافع، لذلك وجب أن يتم العمل في شروط قيمية عادلة وإنسانية بعيدا عن لغة العبودية والشقاء والاستغلال. ومن هنا يصير العمل ثقافة مدنية، وتمجيده سلو کا حضاريا يعبر ع ن إنسانية الإنسان، ونتائجه و آثاره منافع مشتركة تدل على التضامن الاجتماعي البناء.
حل المشكلة 
إن العمل لا تتحقق قيمة الإنسانية إلا من خلال وعي قيمة العمل كخاصية تعبر عن إرادة الإنسان وقدرته في تغيير الواقع و تغيير ذاته ولا يكون كل ذلك إلا بتوجيه العمل توجيها إيجابيا يحقق ماهية الإنسان ويخدمه اجتماعيا.
 تحميل المقالة على شكل PDF هنــــــا


الاسمبريد إلكترونيرسالة