JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

هل معيار الحقيقة هو المطابقة لأحكام العقل ؟ مقالة جدلية


هل معيار الحقيقة هو المطابقة لأحكام العقل ؟
طرح المشكلة:
 إن مسألة الحقيقة من البحوث الشائكة التي تطرق إليها الإنسان واهتم بها، بدافع فضوله المعرفي، أو تطلقا لكشف المجاهيل، فمشكلة الحقيقة هي أكثر ارتباطا بالإنسان من حيث أنه المعنى الأول بأمر الحقيقة، وهو الباحث عنها، والمسخر المختلف الوسائل لبلوغها، ومن هذا الأساس اختلف الباحثون في تصورهم المعيار الحقيقة، والمقياس الذي نحكم به عليه وهنا نتساءل: "هل معيار الحقيقة ومقياسها هو مطابقتها لأحكام العقل أم ترد إلى اعتبارات أخرى؟" .
للعقل.
في محاولة حل المشكلة:
عرض الأطروحة (الموقف الأول):
 يذهب أصحاب الفلسفة العقلية وبالخصوص "أفلاطون" و"ديكارت" و "سبينوزا" أن معیار الحقيقة والمقياس الأنسب للحكم على الحقائق هو العقل وأحكامه، فهو المعبر عن المطلق والضامن لليقين... لأن أحكام العقل تتميز بالصدق والوضوح والبداهة فالحكم الصادق يحمل في طياته معیار صدقه، من هنا كانت الحقيقة مطابقة للعقل وأحكامه. وعلى هذا يؤكد "ديكارت" في أول قاعدة في منهجه أنه لا يقبل مطلقا شيئا علی أنه حق ما لم يتبين بالبداهة أنه كذلك، أي أنه لا يأخذ من الأحكام والحقائق إلا ما ظهر لعقله بوضوح تام و المميز كامل لا يحتمل الشك أبادا، لذا انتهى إلى تقرير قضيته، المشهورة: "أنا أفكر، إذن أنا موجود". و يصرح "سبينوزا" مؤكدا أن معيار الحقيقة هو الفكرة الصادقة، لأنها هي الشيء الأكثر وضوحا ويقينا، فكما أن النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات، كذلك الصدق هو معیار نفسه ومعيار الكذب". من هنا كانت الأحكام الصادقة واليقينية كلها أشياء حقيقية ويتجلى ذلك في البديهيات الرياضية كحقائق معقولة، تبدو ضرورية وواضحة بذاتها، مثل: أن الكل أكبر من الجزء، وأن الخمسة نصف العشرة، وأن المكعب نستوضح أبعاده ونقدرها بالعقل وأحكامه. و بالتالي فجميع الحقائق تقاس بالعقل وأحكامه، لذلك فالحقيقة تكمن في المطابقة للعقل.
-  النقد :
غير أن ربط معيار الحقيقة بالعقل وأحكامه، يجعل منه معیار ذاتي مرتبط بوعي الذات ومقدرتها الإدراكية، فما هو حقیقي بهذا المعيار عند فرد، قد يكون مرفوظ عند فرد آخر، كما أن معيار العقل لا يدل على اليقين وصدق الأفكار دائما، لأنه معرض للخطأ والصواب في أحكامه، ومحدد بمكتسباته وتحاربه. زيادة على أن حكم العقل على الأشياء تبقى مجرد احتمالات وتقديرات، ولا تعني الصدق المطلق، وهذا ما يدل على قصور العقل وعدم موضوعية أحكامه.

نقيض الأطروحة (الموقف الثاني):
إن معيار الحقيقة ومقياسها هو المنفعة والاستفادة العملية وتحقيق النجاح، والفائدة، الأن إثبات الحقائق وتأكيد صدقها لا يكون إلا إذا دلت التجربة على أنها كذلك نظريا وعمليا، وبذلك تعتبر المنفعة العملية هي المحك الوحيد لتمييز صدق الأحکام، وتأكيد الحقائق.
وهذا المعيار هو ما يدافع عنه الاتجاه البرغماتي بزعامة "وليام جيمس"، "بيرس" وغيرهم... حيث يؤكد هؤلاء أنه لا حقيقة، ولا فكرة صحيحة ولا صادقة إن لم تعد علينا بالمنفعة، وتؤدي إلى الفائدة والنجاح، فالعبرة تقاس بالنتائج، من هنا يقول "بيرس" : "إن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج، أي أن الفكر خطة للعمل أو مشروع له، وليست حقيقة في ذاتها". فالحقيقة عند هؤلاء ليست منفصلة عن الفعل والسلوك، ولا توجد حقيقة مطلقة، بل هناك مجموعة كثيرة من الحقائق التي ترتبط بمنافع كل فرد في حياته، لذلك نحن نفكر لنعيش. يقول "وليام جيمس": "إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي، وأن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة، وما هو صالح لأفكارنا ومفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي". وبالتالي لا قيمة لعمل أو فكرة لا تتوج بالمنافع، فالمسار الدارسي للطالب الهدف منه أن يكلل بالنجاح، والأنظمة الاقتصادية الأصل فيها أن تثبت نجاعتها وقيمتها النافعة... - لكن ربط الحقيقة بمعيار المنفعة يجعل من الحقيقة متعددة ونسبية واحتمالية ومن الصعب الاتفاق حولها، لأنها تصير تخضع لتقديرات ذاتية، ومطالب واشباعات مختلفة بين الأفراد. كما أن الخطأ بحسب هذا المعيار قد تنجم عنه آثار نافعة و بالتالي لا نستطيع التمييز في الحقائق بين الصواب والخطأ، ما دام الخطأ قد يوصل إلى نتائج صالحة.

التركيب:
إن مشكلة الحقيقة ومعاييرها مرتبطة بالإنسان في سعيه لاكتشاف المجهول، كذلك كل ما يظهر لنا من الحقيقة، يدفع الإنسان أكثر للبحث عن حقيقة أسمى، لأن الحقيقة في جوهرها ترفض ما هو نسبي و تعالى نحو المطلق والمثالي، لذلك من الخطأ حصر الحقيقة في معيار أحكام العقل ووضوحها أو في معيار المنفعة، لأن كلاهما معیار نسبي معرض للتغير، فالعقول البشرية ليست كلها قادرة على التفكير الواضح، كما لا يمكنها أن تكتشف الحقيقة من تلقاء نفسها أما من جهة معيار المنفعة فليست كل قضايا الإنسان تحركها المنافع، فالقضايا الأخلاقية مثلا يؤمن بها الناس، إيمانا مطلقا نظريا وعمليا، دون النظر إلى نتائجها النفعية، وكل هذا يؤكد أن الحقيقة ترتبط بمعيار موضوعي مته، وبعيد عن كل ما هو ذاتي، لهذا يقول "كانط": "إن الحقائق المطلقة لا يحتضنها عقل ولا يدركها علم".

حل المشكلة:
 إن الإنسان كباحث عن الحقيقة، يبقى كائن مقيد بإطار الزمان والمكان، ومقيد بذاته العارفة ونسبيتها، وهذا يعني أن الإنسان نسبي ولذلك تبقى المعايير التي وضعها للبحث عن الحقيقة والحكم عليها نسبية وضيقة ولا تتسع إلا لكشف أجزاء بسيطة من الحقيقة. ومن هنا لا يتوقف سعي الإنسان للبحث عنها ومحاولة إشباع فضوله.
 تحميل المقالة على شكل PDF هنــــــا


الاسمبريد إلكترونيرسالة