JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

هل فعل التسامح مطلق أم مقيد؟ جدلية


هل فعل التسامح مطلق أم مقيد؟ جدلية
طرح المشكلة:
إن التعامل الإنساني مع مقتضيات الواقع و ارتباطات الإنسان العلائقية مع الآخر ، في إطار حركة التنافر والتجاذب التي تحكم حياة الناس، قد تطغى عليها في كثير ان الأحيان مظاهر العنف واللاتسامح، وإيذاء الغير .. فتفتر العلاقات بين الناس، و پود جو من التشاحن بينهم، لكن حكمة الإنسان وعظمته تكمن في قدرته على تجاوز هذا الحال. ومقابلة العنف باللاعنف، بل والارتقاء إلأى مستوى التسامح والصفح الجميل عمن أخطأ في حقه، أو اعتدى عليه بأسلوب ما، وهنا نتساءل: هل فعل التسامح كفضيلة أخلاقية فعل مطلق وعام أم أنه مقيد شروط وضوابط؟

في محاولة حل المشكلة:
عرض الأطروحة (الموقف الأول):
 يقول "فولتير": "أحبوا الحقيقة، لكن أعفوا عن الخطأ"، فالتسامح خلق وفضيلة، تعبر عن اقتدار الإنسان على الصفح والعفو عمن أخطأ في حقه، أو اعتدى عليه، والتسامح هو قبول الاستماع إلى الآخر ولآراءه، حتى وإن كانت مضادة لآرائه، والتسامح هو الامتناع عن نشر الآراء بالقوة، والقدح والخداع... فالتسامح خلق عام يتسع لكل المجالات الدينية، والسياسية والخلقية والاجتماعية.. فهو مبدأ عالمي مطلق ومفتوح، يرتبط بكل أبعاد الإنسانية ومناحي حياتها، لهذا يدعو الكثير م ن الفلاسفة والمفكرين والمصلحين لاستثمار التسامح وتفعيله كثقافة وتربية حيوية ضد
كل أشكال العنف واعتماده كاسلوب لتهذيس الكثير من التناقضات والإختلالات الاجتماعية لأن التسامح لا يقف ضد أي طرف، بل يقبل كل الأطراف جميعا لتتوافق فيما بينها، لتأسيس رؤية مستقبلية جديدة. من هنا اعتبر "فولتير" التسامح هو قانون الطبيعة الأول. يقول: "لن يتحقق السلام الدائم، ما لم يتسامح الناس مع بعضهم البعض، ويتعلم كل واحد منهم كيف بالمسامح مع من يخالفه في الأمور الفلسفية والسياسية والدينية". واعتبر "غاندي" التسامر وام طريق للتعبير وبناء الإنسان الواعي لذاته، يقول: "ولكني أعلم أن اللاعسل حلية المقاتل".
يسمو على العنف سموا لا حد له، وأن العفو أشد شجاعة من العقاب، فالعدو و على هذا كان التسامح دوما مبادرة إلى الخير، ومصدر رحمة وتعايش بين بين الإنسان، في إطار القبول بالتنوع والتعدد، كل مميزاته بلا إقصاء أو إلغاء. وقار كان الإسلام كرسالة عالمية، دعوة إلى احترام، اختلاف الناس وتوجهاتهم، و مللهم بل ودعوتهم للتعايش والتسامح مع بعضهم البعض بلا إكراه، قال : "لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي.." (البقرة 25)، وقال أيضا: "و ليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" (النور 22)، وقال أيضا: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه ذلك بأهم قوم لا يعلمون" (التوبة 6). و يدعو فيلسوف الحوار الحضاري "روجي غارودي" إلى اعتناق الإنسان بالمحبة دائما مهما كانت عقيدته وجنسه، على أساس مبدأ التسامح والعفو الجميل. و بالتالي فالتسامح مفهوم مفتوح للتعايش الإنسان بعيدا عن كل شروط. |
 النقد:
 لكن شمولية التسامح ومطلقيته قد تؤدي إلى إفقاده قیمته وتأثيره في واقع الناس، فالمسامحة والصفح على كل شيء معناه التفسخ والانحلال والتشجيع على الفساد. ثم إن جعل التسامح مفتوح، قد يكون ذريعة للمجرمين لإسقاط الجزاء والمحاسبة والمطالبة بالعفو، رغم ما ارتكبوه في حق الغير من مظالم.. وهذا يفيد أن التسامح وجب أن يكون مضبوط و مقيد بشروط.
نقيض الأطروحة الموقف الثاني :
 إذا كان العدل كفضيلة أخلاقية هو الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فإن التسامح أيضا لا يجب أن يكون مطلقا، بل يقتضي تقييده، وتحديد مجاله، وفق الروابط و شروط وأركان وجب الوقوف عندها والحفاظ عليها، لأن التسامح الفتوح على كل الاحتمالات قد يؤدي إلى انتفاء التسامح، وفقدان دلالته، بل قد يؤدي إلى ظهور نقيضه، فالإنسان الذي يرفض التسامح مثلا، كيف نسامحه ونعفو عنه؟ فإن فعلنا ذلك فإننا نعمل على تشجيعه على الفساد والممارسات العنفية والإحرامية. كذلك نجد أن علماء الأخلاق يؤكدون في دراساتهم أن الكثير من القيم الأخلاقية لمبية، مرتبطة بثقافة المجتمعات ومعتقداتهم وعاداتهم وما هو مقبول في مكان ما، قد يكون مرفوض في مكان آخر. لهذا فالتسامح قد لا يكون على شكل ومعنى واحد عند الجميع، لذلك لا بد من ضبطه وتقيده، في حدود التوافق الاجتماعي والعقائدي والتاريخي أحيانا. وفوق هذا فالتسامح هو فعل وعلاقة بين طرفين، وهذا يقتضي تراضي طرفي المسامحة، وقبول أحدهما بالآخر، والصفح عنه بلا اعتراض وعدم الرجوع لما كان عليه، وإلا صار التسامح مجرد خديعة ومراوغة ومضيعة للوقت واستهزاء بالغير... لكل هذه الأبعاد وغيرها وجب أن يكون التسامح مقید و مشروط بقيمة وصلاحية ورضي الأطراف المتسامحة وإلا فقد مصداقيته والهدف منه
النقد :
- لكن تقييد التسامح بشروط وضوابط قد يكون عائقا أمام تحقيق التسامح بل ودافع لرفضه والإعراض عنه. لأن الشروط المسبقة غالبا ما تكون محا اختلاف و تنازع. كما أن جعل التسامح مقيد بشروط، هو خنق للتسامح، وجعله تحت رحمة الأهواء والتقديرات الذاتية الضيقة، وهذا ما يثير الشك في فعل التسامح ولا يشجع على الإقدام عليه.
التركيب:
 إن التسامح فضيلة أخلاقية، لها دائما حضورها في نطاق، الحياة الاجتماعية، في جميع أبعادها ومستوياتها ... وهو في جوهره مبدأ مطلق و عام، يعطي صورة موحدة الملامح مبدأ التسامح وهدفه، ولا يمكن لأحد أن ينكر هذا أو يزعم أنه يتغير من زمان إلى آخر ومن قوم إلى آخرين، لكن مختلف السلوكات والوسائل التي تعتمدها ونسعى بها لتحقيق التسامح وتطبيقه وتفعيله في الواقع، فإنها تتغير بتغير الظروف والبيئات والمجتمعات، وهذا ما يعبر عن جهة التقييد في التسامح
في حل المشكلة :
 إن التسامح حكمة أخلاقية تعبر عن اقتدار الإنسان على قبول من أخطأ واعتدى على حق من حقوقه، بل والارتقاء إلى مستوى العفو والصفح عنه على أساس المحبة والإخاء الإنساني، لأن التسامح كمبدأ أخلاقي مطلق يدعونا دائما لتطوير استعداداتنا في الصفح بصورة مستمرة.
 تحميل المقالة على شكل PDF هنــــــا


الاسمبريد إلكترونيرسالة