مقدمة في المدة الأولى ( قبل سقراط )
بدأ الفكر الفلسفي ينبثق في بلاد الاغريق حيث نافس
الفن والشعر الى ان بلغ شيئا بعيدا ، فجميع النظريات التي أوحت بها ظواهر هذا الكون
إلى الإبهام ، و تتابعت وتزاحمت على عقول المفكرين القدماء فأخذ كل واحد يفسر معنى
الوجود حسبما يرشده اليه عقله ، متأثرة بالمعتقدات الدينية أو بآراء السلف, ولقد توصل اليونان إلى وضع جميع الفروض الممكن طرحها
فأوجدوا بذلك سبيلا لمن أتي ويأتي بعدهم ليصحح خطأ وقعوا فيه أو ليؤيد مذهبا ابتكروه
فيصل الانسان منه إلى معرفة حقيقة الوجود, ونشأت في هذه المدة التي استغرقت نحو قرنين
من الزمان خمس مدارس فلسفية وهي :
فهذه المدارس ما عدا الأخيرة ، كانت تنظر الى العالم
كما يظهر لنا ، أي كمجموع موجودات قد تكون من عمل الفكر أي ليس لها حقيقة واقعية , الا
ان جميع الفلاسفة القدماء كانوا يشعرون ان هذه الاشياء المتعددة دائمة التغير ليست
كما هي تقع تحت ادراكنا ولا وجود لها بذاتها وينبغي البحث في عللها
ا فذهبت المدرسة الايونيه الى ان مصدر تلك الأشياء
شيء آخر يخالف ما نألفه والتجربة دليلنا لاستكشاف ذاك المصدروالفيثاغورسیون استد عت
بصائرهم النسبة الموجودة فقالوا ان الاعداد التي توضح تلك النسبات هي الحقيقة الواقعية
دون غيرها .
واما الايليائيون فذهبوا إلى أبعد من ذلك : قالوا ان
كل متغير لا وجود له الا في الظاهر ، وان الواحد الذي لا يتعدد ولا يتغير هو الموجود
فعلا دون سائر الموجودات وارباب الجوهر الفردي زعموا أن الذرات مصدر الوجود ، وان كانت
ابصارنا لا تتناولها . فبفهمنا ندركها .
والجميع بدون استثناء كانوا يرون رأی واحدة وان اختلفت
تعابيرهم وتباينت الفاظهم ففلسفتهم طبيعية وغرضهم اكتشاف , المنير الذي تصدر عنه كل
الأشياء . وما كانوا يفرقون بين موضوع الفلسفة وموضوع العلوم الأخرى التي لم تتميز
عنها الا في العصور الحديثة .
اما السفسطائيون فلما رأوا تضارب تلك المدارس في مذاهبها
وتناقضها لبعضها البعض . ارتابوا في امكان معرفة الحقيقة - بيد ان شكهم ادى بهم إلى
التأمل في ماهية المعرفة وشروطها وكان ذلك سببا لتطور عظيم في تاريخ الفلسفة .